كان التعليم في عمان محصورا في الكتاتيب وحلقات المساجد التي كانت تلقن القرآن الكريم و تعلم مبادئ الدين الإسلامي واللغة العربية والحساب ومن أبرز مدارس المساجد التاريخية في عمان مدرسة الرحيل التي أنشأها العالم محبوب بن الرحيل في صحار ومدرسة قرية قصرى ومعهد جامع البياضة بالرستاق ومدرسة الضرح ببهلا، وقد أنشأها أبو محمد عبدالله بن بركة السليمي البهلوي وأنفق عليها من ماله ، ومدرسة القلعة في نزوى . وهكذا استمرت المسيرة من جيل إلى جيل لتخريج العلماء .
والقادة حيث كان لهذه المدارس والمساجد الفضل في الأزمنة الغابرة في تخريج العديد من العلماء والأدباء والموهوبين الذين أثروا تراثنا العماني بكنوز من علوم الفقه والتوحيد ، وذخائر اللغة والشعر ومن أبرز علماء هذه المدارس على سبيل المثال لا الحصر : البشير بن المنذر وموسى بن أبي جابر الإزكوي والمنير بن النير الريامي
|
الجعلاني ومحمد بن المعلا الكندي وسلمة بن مسلم العوتبي . ونظرا لندرة انتشار التعليم النظامي قبل عام 1970 م فإن ما كان سائدا في تعليم الأطفال ، هو تعليمهم من قبل معلمي ومعلمات القرآن الكريم ، الذين كانوا يعلمون الأطفال تحت ظلال الأشجار أو في المجالس العامة التي تعرف (بالسبلة) أو في المساجد أو بيوت المعلمين والمعلمات أنفسهم ، وكان معظم الدارسين من صغار السن تتراوح أعمارهم ما بين السادسة والرابعة عشرة ، وكان الدارس الذي ينهي تلاوة القرآن الكريم بكامله يعرف ب (خاتم القرآن) وبعد أن ينهي الدارس ختم القرآن الكريم ينضم إلى حلقة العلم في المساجد والتي ارتبط وجودها بوجود العلماء المؤهلين الأكفاء ، خاصة في ولايتي نزوى والرستاق اللتين تعدان مركزين لتجمع العلماء ،بالإضافة إلى حلقات العلم التي تعقد في كل من بهلا وسناو والمضيبي والغافات والحمراء ، وكان الدارسون يمنحون منحا متواضعة ولم تكن هناك معايير واضحة لتقييم التعليم ، غير أن جودة حفظ القرآن الكريم هي المعيار الوحيد لتفوق الدارس.
أولا : التعليم التقليدي : لقد كانت المدارس القرآنية وحلقات المدارس هي الوسيلة الوحيدة للتعليم في عمان حتى عام 1970م حيث انتشرت في معظم القرى رغم تباين مستوياتها من منطقة لأخرى ومن أبرز هذه المدارس منذ أواخر القرن التاسع عشر ما يلي :-
1/ مدرسة مسجد الخور بمسقط (1871-1888م) تأسست هذه المدرسة في مسقط بجوار قلعة الجلالي في عهد السلطان السيد تركي بن سعيد في مسجد الخور وأول من قام بالتدريس فيها إمام المسجد الشيخ سليمان بن محمد بن أحمد الكندي حيث كان يعلم القرآن الكريم وأصول الدين وعلوم اللغة العربية قراءة وكتابة ونحوا وبلاغة .
2 / مدرسة الزواوي في مغب بمسقط (1871م): أنشئت في عهد السلطان السيد تركي بن سعيد وكانت تقع أسفل قلعة الجلالي بمسقط واستمر التعليم بها إلى عهد السلطان السيد سعيد بن تيمور وكانت تدرس مواد القرآن الكريم واللغة العربية قراءة وكتابة ونحوا .
3/ مدرسة الشيخ راشد بن عزيز الخصيبي: وكان مقرها في بيته حيث كان يستقبل عددا من طلبة العلم ويقوم بتدريسهم العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية من نحو وبيان ومنطق واستمر يؤدي هذه المهمة قرابة أربعين عاما ومن تلاميذه في هذه المدرسة الأديب الشاعر السيد هلال بن بدر البوسعيدي .
4/ مدرسة مسجد الوكيل: تقع في مسقط مقابل بيت السيد نادر بن فيصل وقد ضمت عددا من طلاب العلم الذين تتلمذوا على يد الشاعر الشيخ محمد بن شيخان السالمي ومن أشهرهم السيد تيمور بن فيصل والسيد نادر بن فيصل في عهد السلطان السيد فيصل بن تركي.
5/ مدرسة بيت الوكيل(1888م-1913م): أقيمت هذه المدرسة بالقرب من منزل اشتهر باسم بيت الوكيل يقيم فيه موظف حكومي يوكل إليه تصريف بعض الأمور المتعلقة بشؤون قصر السلطان وكانت تدرس مواد القرآن الكريم والفقه والتوحيد واللغة العربية.
6/ مدرسة بوذينة (1914م-1930م) : وتنسب إلى محمد علي بوذينة الذي وفد من تونس إلى السلطنة في عهد السلطان السيد تيمور بن فيصل وكان يقوم بالتدريس في مدرسة الزواوي وفي هذه المدرسة اشتركت البنات في تلقي العلم مع البنين في منزل مستأجر في مسقط لهذا الغرض وتفسر هذه النشأة المبكرة للتعليم المختلط بعض مدارس التعليم اليوم . واستمرت المدرسة تزاول نشاطها ابتداء من 1914م وكانت تدرس مواد القرآن الكريم واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والحساب وتميزت المدرسة كذلك باعتمادها على خطة دراسية اشتملت على ست حصص يوميا وبلغ عدد طلبتها (120) طالبا وطالبة يدرسون جميعا في غرفة واسعة وفي عام 1930م انتقل بوذينة بتلاميذه إلى المدرسة السلطانية الأولى التي أنشأتها الحكومة آنذاك ومن الذين درسوا في مدرسة بوذينة السلطان السيد سعيد بن تيمور والسيد شهاب بن فيصل.
7/ مدرسة السيد نادر بن فيصل(1932-1935م): بدأ التعليم في هذه المدرسة في عهد السلطان السيد سعيد بن تيمور وكان من مدرسيها الشيخ أحمد بن سليمان بن زهران الريامي وكان يقوم بتدريس القرآن الكريم والتوحيد والفقه واللغة العربية والحساب وقد جمعت المدرسة عددا من البنين والبنات وشكل طلبة هذه المدرسة مع طلبة مدرسة مسجد الخور المدرسة السلطانية الثانية في عام 1935م.
ومن المدارس الأخرى التي كان لها حضور في الذاكرة التعليمية لأبناء عمان مدرسة (بيت الباروني) في سمائل و(المدرسة المحمدية) في مسندم .
ثانيا : بدايات التعليم النظامي الحكومي : بدأ التحول من التعليم التقليدي إلى التعليم النظامي بمعناه الحديث في العام 1930م حيث أنشئت مدارس محدودة تخضع للتخطيط والإشراف الحكومي وأخذت تدرس مناهج محددة المحتوى ومتعددة المواد ويدرسها معلمون تم تعيينهم من قبل الدولة ولهذه المدارس إدارة معينة أيضا، وشكلت هذه المدارس على ندرتها أساس التعليم النظامي في عمان قبل عام 1970م ومن أشهر هذه المدارس :
1/ المدرسة السلطانية الأولى : وأنشئت عام 1930م في عهد السلطان السيد تيمور بن فيصل وبإشراف حكومي وكانت تقع في مسقط ويديرها إسماعيل بن خليل الرصاصي الذي قدم من فلسطين إلى عمان عام 1929م وأصبح فيما بعد مديرا للمعارف في عهد السلطان السيد سعيد بن تيمور حتى عام 1970م .
وقد شارك بعض المدرسين من البلاد العربية في التدريس بهذه المدرسة وكانت المواد التي تدرس بها القرآن الكريم والتوحيد والفقه واللغة العربية والعلوم والصحة والتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية وفي هذه المدرسة تأسست نواة الحركة الكشفية الأولى في السلطنة تحديدا عام 1932م على يد إسماعيل الرصاصي نفسه حيث كان نشاط الفتية قاصرا على ممارسة بعض أسس التخييم والرحلات الخلوية القصيرة ولم يكن هناك أي زي موحد لهؤلاء الأفراد حيث كان رداؤهم المعروف هو الزي العماني التقليدي مع ارتدائهم للمنديل الكشفي أحيانا
2/ المدرسة السلطانية الثانية: حلت هذه المدرسة محل المدرسة السابقة ابتداء من عام 1935م وكان مقرها منزلا مؤجرا بمسقط وضمت إلى جانب البنين عددا من البنات ، وكانت المدرسة تعمل بنظام اليوم الكامل وتدرس القرآن الكريم والفقه والتوحيد واللغة العربية وقد حظيت مادة الخط العربي بنوعيه النسخ والرقعة في هذه المدرسة بعناية خاصة لأن الوثائق والمعاملات كانت تكتب آنذاك بخط اليد ، كما كان يتم تدريس الأناشيد واللغة الإنجليزية والتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية والحساب والصحة والرياضة البدنية . وكانت الدراسة تبدأ بالصف التمهيدي ثم الأول والثاني والثالث من المرحلة الابتدائية .
3/ المدرسة السعيدية بصلالة : تعد هذه المدرسة أول مدرسة للبنين بمحافظة ظفار . ويمكن تقسيم ما يتعلق بجوانب التعليم وتطوره في هذه المدرسة إلى عدة فترات حيث تبدأ الفترة الأولى بافتتاح السلطان السيد سعيد بن تيمور للمدرسة السعيدية بصلالة في شهر (محرم 1355 هــ /مارس 1936م)وكانت مكونة من ثلاث غرف ، خصصت واحدة منها للطلاب الصغار والثانية ضمت الكبار ، وأما الغرفة الثالثة فقد استخدمت كمخزن . وقد اقتصر التعليم في هذه المدرسة على القرآن الكريم والتجويد وتعليم أمور الدين اليسيرة وبخاصة ما يتعلق منها بأركان الإسلام الخمسة بالإضافة إلى القراءة والكتابة إلى جانب العمليات الأربعة للحساب (الجمع والطرح والضرب والقسمة )، وقد شهدت هذه المدرسة تطورات عديدة كان أهمها عام 1955م حيث تم بناء مبنى جديد لها صمم لأغراض التعليم ولم يكن مجرد مكان مؤجر كسابقتها من المدارس .
4/ المدرسة السعيدية بمسقط تم افتتاح هذه المدرسة في عام 1940 م وبافتتاحها توقفت أنشطة المدارس السابقة عنها في مسقط لتبدأ مرحلة أكثر تطورا من التعليم النظامي الحكومي والذي يتم في مبان مدرسية أعدت خصيصا لهذا الغرض واشتملت على فصول دراسية وغرف للإدارة والمدرسين وتكونت من مرحلتين دراسيتين : الأولى مرحلة ما قبل الابتدائي ومدتها سنتان تمهيديتان ، والثانية هي المرحلة الابتدائية ومدتها ست سنوات ، يمنح الناجحون فيها الشهادة الابتدائية التي تصدرها دائرة المعارف ، وقد قام بالتدريس فيها عدد من المدرسين العمانيين وآخرون من الدول العربية الشقيقة ، وكانت الكتب الدراسية التي يتم تدريسها في المدرسة السعيدية بمسقط تجلب من مصر وفلسطين مثل :كتب النحو الواضح والقراءة الرشيدة ، أما كتب الرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا وبعض كتب اللغة العربية فكانت توفر من لبنان وحظيت مادة التربية الإسلامية بقدر كبير من الاهتمام بين المواد الدراسية فإلى جانب القرآن الكريم كان هناك كتاب (تلقين الصبيان ..ما يلزم الإنسان) للشيخ العلامة نور الدين عبدالله بن حميد السالمي ، وكانت المدرسة تدرس أنشطة لاصفية شملت التمثيل والرياضة البدنية والرحلات وتأكيدا لأهمية مادة الخط العربي ، قام السلطان السيد سعيد بن تيمور في عام 1944م بإهداء طلبة المدرسة مجموعة من كراسات الخط العربي تعرف بمجموعة السلاسل الذهبية ، وهي المجموعة التي أعدها نجيب الهواويني الخطاط الخاص بالملك فؤاد الأول ملك مصر ، أهداها إلى السلطان تيمور بن فيصل في عام 1931م .
5/ المدرسة السعيدية بمطرح : أنشئت هذه المدرسة بمطرح وافتتحت في نوفمبر عام 1959 وكان مقرها آنذاك في بيت المنذري بحارة الشمال بمطرح لمدة عام دراسي واحد وبضعة أشهر من العام التالي. وبدأت الدراسة بهذه المدرسة بحوالي مائتي طالب في صفوف التمهيدي والأول والثاني الابتدائيين . وفي ديسمبر عام 1960 انتقل مقر المدرسة إلى مبنى أنشئ خاصا بها، في الموضع الذي تتواجد به حاليا ، وافتتح بها في العام نفسه صفان آخران للثالث والرابع الابتدائيين.
وخلال سنتين بعد ذلك اكتملت المرحلة الابتدائية حتى الصف السادس الابتدائي، وأصبح الناجحون من هذا الصف يتخرجون ويحصلون على الشهادة الابتدائية. وقد تخرجت أول دفعة عام 1963 م. وكان لهذه المدارس المذكورة رغم جهودها المتواضعة إلى جانب حلقات المساجد الفضل الكبير في تخريج العديد من المثقفين والعلماء والأدباء الذين كان لهم الفضل في تنشيط الحركة الثقافية والفكرية في السلطنة وإغناء التراث العماني بكنوز من العلوم المختلفة .
ثالثا / المدارس الخاصة : إلى جانب مدارس التعليم النظامي الحكومي كانت توجد المدارس النظامية الخاصة وقد قدمت خدمات تعليمية جليلة ومن أبرزها :
- المدارس الخاصة بولاية مطرح : تميزت ولاية مطرح بنشاط مكثف للتعليم الاهلي منذ العام 1925م حيث كان بها عدد من المدارس النظامية الخاصة منها : 1- مدرسة الأستاذ محمد بن جواد درويش 2- مدرسة الأستاذ باقر بن رمضان بن مراد 3- مدرسة الأستاذ جواد بن جعفر الخابوري 4- مدرسة الأستاذ حسن بن علي هاشم 5- مدرسة الأستاذ محمد بن علي بن تقي اللواتي 6- مدرسة الأستاذ عبدالله بن علي بن عبدالله آل محمد 7- مدرسة الأستاذ قاسم بن عبدالله بن محمد 8- مدرسة الأستاذ عبد الرضا بن علي بن عبدالله وكانت هذه المدارس حاصلة على تصاريح من والي مطرح مع وجود إشراف حكومي عليها من دائرة المعارف وكانت مبانيها عبارة عن بيوت تم استخدامها كمدارس ويتراوح عدد طلابها ما بين 150 إلى 300طالب وطالبة في كل مدرسة وكانت مناهجها توفر من لبنان والهند وتدرس القرآن الكريم واللغة العربية واللغة الانجليزية والحساب والجغرافيا وقد تميزت بعضها بنشاط ثقافي ورياضي وكانت الخدمة التعليمية تقدم مقابل رسوم يدفعها الطلبة .
- مدرسة الغزالي بولاية صور : تعد أول مدرسة نظامية خاصة في صور وتم افتتاحها في عهد السلطان السيد سعيد بن تيمور عام 1948م وأسسها الأخوان عبدالله وعلوي ابنا أحمد الغزالي وتم بناؤها على نفقة شيوخ وأهالي ولاية صور.
رابعا- نهضة التعليم بعد يوليو عام 1970: وأشرقت شمس العلم من جديد على عمان عندما تسلم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – الحكم في البلاد في الثالث والعشرين من يوليو المجيد لعام 1970م ، حيث اعتبر جلالة القائد المعظم نشر التعليم وتعميمه بالبلاد من أهم الأهداف الحيوية للنهضة المباركة ، فقد كان الشعب العماني محروما من التعليم قبل عام 1970م ماعدا النزر اليسير فقال جلالته – حفظه الله ورعاه - في بداية مسيرة النهضة " كان التعليم أهم ما يشغل بالي ...ورأينا أنه لا بد من توجيه الجهود الأولى إلى نشر التعليم". وعليه فقد شهد قطاع التعليم بعد بزوغ فجر النهضة نقلة نوعية وكمية ضخمة باعتباره عاملا أساسا لبناء المواطن العماني وخلق جيل مؤمن قادر على تحمل مسئوليته في البناء الوطني من جانب ومواكبة التحول المطرد في الحياة العصرية من جانب آخر .
- نشر التعليم في ربوع السلطنة : انطلقت مسيرة النهضة التعليمية في مختلف ولايات ومناطق السلطنة بزخم واندفاع كبيرين لتعوض ما فات أبناء البلاد من تعليم فارتفع عدد المدارس من ثلاث مدارس فقط تضم نحو (900) طالب في عام 1970م إلى (207) مدارس ونحو (55752) طالبا وطالبة في العام الدراسي 1975/1976م . ومع العام الدراسي 1972/1973م بدأ التعليم الإعدادي ثم بدأ التعليم الثانوي للمرة الأولى في السلطنة عام 1973/1974م. وقفزت موازنة التعليم في البلاد من مليون وواحد وثلاثين ألفا وتسعة وسبعين ريالا في العام الدراسي 1970/1971م إلى سبع وتسعين مليونا وثلاثمائة وألفين وواحد وستين ريالا في عام 1981/1982م.
|